السبت، 29 أغسطس 2015

ما بين الأبيض و الأسود عدم

"أن أكون الأول أو أن أكون لا شئ"
قرأت هذه الجملة في مذكراتي التي قد كتبتها و أنا صغيرة.. و حينها استطعت تفسير الكثير..

إن ما آلت إليه حياتي من تغيرات و فقدان كان بسبب هذا المنطق تحديدا
أتذكر عندما حللت في المرتبة الثانية في نهاية المرحلة الإعدادية.. لم أكن أصدق نفسي، و ظللت مكتئبة لفترة لا بأس بها
لم أستوعب أنني لست الأولى على المدرسة، و بدلا من زهو التصدر ذقت مرار التبعية، و لم يكن الأمر ليشكل فارقا معي لو حتى حللت في المرتبة الأخيرة..
فبالتالي كانت المرحلة الثانوية مختلفة كثيرا.. عهد جديد من اللا مبالاة و عدم الاهتمام بالدراسة.. فقد سقطت عن المركز الأول بالفعل.

دعكم من الجانب الدراسي.. إن هذه الجملة دمرت حياتي على الصعيد الاجتماعي..
إن كنتم تعرفوني شخصيا، فستعلمون أنني أكره عندما يرتبط أحد أصدقائي بإحداهن.. ليس لأن جميعهم أوغاد، و ضيقي الأفق، و أنذال
بالطبع قابلت مثل هذه العقليات في البداية، لكن السبب الحقيقي كان يصدر مني أنا
أنا طماعة.. كثيرا.. أحب أن أستحوذ على اهتمام الشخص الذي أمامي، و أن تكون لي الأولوية في المكالمات التي يجريها، و المقابلات التي يحضرها
إن "حجمي"الذي أتحدث عنه ينص على أنني لا بد أن أكون الأولى في قلبك أيا كانت مكانتي
فإذا ما ارتبط أحد الأصدقاء، تبدل الحال، و صارت هي كل حياته و عالمه، و أنا؟ أحل في المرتبة الثانية
و أنتم قد عرفتم ماذا تفعل بي المرتبة الثانية
فافتعل الشجارات، و المشاكل، و أفقده عقله و أعصابه حتى أخيرا تنقطع علاقتنا نهائيا
"أن أكون الأول أو أن أكون لا شئ"
و يقال بعدها أن هو الذي تغير.. هو الذي لم يحترم العشرة.. بينما أكون أنا من تسببت بقطع آخر خيط في صداقتنا.

و رغم كل هذا فأنا لم أستطع فعليا أن أكون "حبيبة أحدهم" 
رغم أنني سأضمن المركز الأول في قلبه
إذا ما كنت في علاقة عاطفية يحبني فيها.. لكنني لا أستطيع أن أوليه كل الاهتمام.. لا أستطيع أن أتوج أحدهم ملكا على فؤادي، و لا أمنح أحدهم كل مشاعري، و أجعله كل عالمي
ببساطة ليس هذا من شيمي.. أنا التي أسير ناظرة لهذا و ذاك، مستمتعة بحقيقة أنني يحق لي الإعجاب بشخص و اثنين و خمسة دون الإحساس بالذنب
مستمتعة بسماع الغزل من هذا الصديق و ذاك، و بقول ما أريد وقتما أريد دون أن يحق لأحدهم التدخل في أموري
ليس الأمر أنني لا أستطيع أن أكون بكل كياني لأحدهم.. الأمر أنني لا أريد
و حتى تلك الحالات النادرة التي وصلت فيها مشاعري لأوجها، و صرت مهووسة بالشخص الذي أمامي.. لم تتسن لي الفرصة لأن أكون في علاقة كتلك.. و ربما أنا التي لم أخلق الفرصة..؛ لأنني أخشاها..
فمهما رأيتم فيّ خصال الإيثار و التضحية
أنا أنانية لا تعرف المنطقة الرمادية..
أنا الباحثة عن الكمال.. لن أجده
و المركز الأول لن أدوم فيه.. لذا فأنا في معظم الوقت مجرد.. لا شئ.. لا شئ.

الاثنين، 10 أغسطس 2015

رائحة الموت

كان هربي من حرارة الجو قد دفعني للنوم.. استيقظت، و إذ بها بداية الليل
الحرارة لا تزال عالقة في ذرات الغبار.. في المسافات ما بين الخلايا الحية، و الغير حية، و في أجسادنا، و حتى في ماء الصنبور
اقتربت من الشرفة و أنا في نصف وعيي، و إذ بي أشتم تلك الرائحة.. رائحة مألوفة لكنني لم أميزها للوهلة الأولى، إلا أنني شعرت بالسوء البالغ عندما دخلت تلك الرائحة أنفي.. ليس لكونها رائحة كريهة قدرما أنها قد ذكرتني بإحدى أسوأ الذكريات في حياتي..

للروائح سحر ما.. قدرة عجيبة على نهش ذكرياتك، حتى تلك التي ظننت أنها قد آلت للنسيان منها
ذلك العطر الذي أحتفظ به لعمي كي يذكرني به، و رائحة بعض من أحببتهم التي كنت أميزها من على بُعد أمتار.. لطالما أشعرتني الروائح بالحنين..
أما رائحة اليوم.. تلك الرائحة، فقد كان الشعور بالألم مُضاعفا..
أنت تعلم أن الحنين يؤلم كثيرا.. شعور يمتزع قلبك من أضلاعك، و يتركك خاويا.. 

هذا ما حدث بالأمس.. استيقظت لأجد الصبارة خاصتي قد بدأت في الذبول.. سبقها أيام من الشحوب و الاصفرار في هذا الجو الحار.. حاولت إنقاذها من الجفاف بجرعة ماء مبكرة، لكن ذلك لم ينقذها البتة..
قضيت اليوم كاملا في محاولة البحث عن طريقة لإنقاذها.. سألت الكثير من الأشخاص.. كنت أشعر بالسوء البالغ 
و عندما انتصف النهار غلبني النوم، و استيقظت لأشتم تلك الرائحة
الرائحة التي ذكرتني بهذا اليوم منذ سنوات.. عندما كنت مارة على أحد الحجرات، و خطر لي أن أتفقد السلحفاة خاصتي رغم تفقدي لها من خمس دقائق مضوا..
كانت السلحفاة قد تعرضت لحادثة لن أخوض في تفاصيلها، أو تفاصيل ما حدث لها؛ حيث أن هذا التفاصيل تمزقني و أنا أسردها..
دخلت عليها، و كانت قد توقفتت عن الأنين، و صاحبتها هذه الرائحة الغريبة.. نظرت لها لأجدها ما زالت حية.. إلا أن تلك كانت لحظاتها الأخيرة.. شاهدتها و هي تلفظ أنفاسها الأخيرة، و ما زلت أتذكر وجهها آنذاك..
وقتها.. كنت أشعر بمشاعر مختلطة.. بالطبع ألم من فراقها بعد عشر سنوات كاملة، و أيضا القليل من الراحة.. حيث أنها كانت تتألم كثيرا، فربما لو كان لا بد من الرحيل، فالعجلة فيه رحمة..
و الكثير من الذنب.. شعرت بالكثير من الذنب، و المسئولية حيال ما حدث لها
فلماذا بحق الجحيم أشتم هذه الرائحة الآن؟ حيثما تمكث صبارتي؟

ما زلت أسير في خطوات انقاذها آملة أن تفلح.. لكنني ما زلت أشتم تلك الرائحة اللعينة.. رائحة الموت..