الخميس، 15 يناير 2015

هل حاجتنا إلى الله تحتم وجوده؟ (1)

"إذا قذفت بثلاثة أشخاص في البحر.. أحدهم مسلم، و الآخر مسيحي، و الثالث ملحد.. فسيصرخون جميعا "يا رب" و هم يحاولون مقاومة أمواج البحر العاتية"
كنت أسمع هذه القصة كثيرا و أنا صغيرة، و كنت أومئ برأسي مقتنعة أن هذه أحد أدلة وجود الله، و أن من ينفي ذلك يخالف الطبيعة، و أنه لو استرشد أحدهم بفطرته سيعلم بلا أدنى شك أن الله موجود

ثم كبرت، و تكاثرت الأسئلة في رأسي.. أسئلة كثيرا ما اتُهِمت بالكفر بسببها، و تعرضت للتعنيف لمجرد طرحها
بينما رفضت أن أقتنع أن عقلي غير قادر على الوصول لأسئلة طرحتها.. يقولون أن الشيطان هو من أوحى لي بها! كلا، إنه عقلي!


عندما نظرت إلى عينيّ تلك العجوز الثابتتين و هي تخبرني عن زوجها المتوفى، كادت أن تذرف دمعة و هي تنهي رواية لقاءهما الأول، لكنها تداركت عندما رأت نظرة الشفقة في عيني، و بطبيعتي المرهفة اغرورت عيناي بالدموع، فوضعت يدها على كتفي و هي تقول في يقين: "لا داعي للحزن يا عزيزتي.. صحيح أنني أفتقده كثيرا، لكنني سألقاه قريبا في الجنة"
و ابتسمت، و رحلت.
جعلني هذا الموقف أفكر مطولا في هذا الأمر.. 
حقا إن ما يجعل الموت هينا هو إيمان الناس بوجود حياة أخرى.. حياة أبدية منصفة مليئة بالسعادة اللامحدودة وسط الأحباب
-فكرة اللقاء في الحياة المقبلة يجعلك تتخطى أمر من فقدت
-فكرة الحياة الأخرى أيضا قد تدفع البعض إلى فعل الأمور الخيرة، أو تجنب فعل الأمور التي تغضب الإله
-و قد تجعل المظلوم يتحمل الظلم مفَكِرّاََ أن هناك من سينصفه في السماء، و أنه لو لم ينصَف في هذه الحياة، فسيأخذ حقه حتما في الحياة المقبلة
-و ربما في لحظات العجز قد يود الناس أن يؤمنون بوجود من هو قادر على كل شئ.. الله، و ربما يودون أن يؤمنوا أن هناك من يسمع صلواتهم، و يستجيب لها
-و لأن الحياة ليست عادلة في كثير من الأحيان، يميل الناس أحيانا لنبذها، و لتفسير عشوائيتها، و ظلمها بأنها فانية
-فكرة الحياة الفانية تظل غير مكتملة في الأذهان.. هناك شئ ناقص.. هذه الحلقة المفقودة تحل محلها فكرة الدار الآخرة لتظهر الصورة النهائية، و هي أن هذه الحياة مؤقتة، و الحياة الحقيقية ستأتي عقب الموت
مرة أخرى يتم تفسير الموت على أنه بوابة عبور، و يرفض الناس التفكير -مجرد التفكير- في أن الموت لا يعني ما هو أكثر من تعفن أجسادهم تحت التراب
رغم أن لا أحد من الأحياء الذين يتحدثون الآن قد مات، و جاء ليخبرنا ما حدث عقب موته
-و هنا يأتي دور الاديان.. الأديان تخبرك بالتفصيل ما سيحدث عقب الموت، و عن طريقة الحساب، و حتى عن تفاصيل العذاب كما في الإسلام، و تفاصيل النعيم
-و لأن من المُرهِق جدا أن تقضي حياتك برمتها و أنت تفكر في مغزى وجودك.. يأتي الدين مرة أخرى ليطلعك أن هذه الحياة الدنيا اختبار، و  أن حسب طريقة عيشك ستؤول للنعيم، أو الجحيم
-و يطلعك الدين بالتفصيل على كيفية عيشك لحياتك، و على ما يجب أن تفعل، و ألا تفعل
هذا الكتاب السماوي قيل لنا أن نعتبره كدليل استخدام "كتالوج" .. اتبع التعليمات و ستكون بخير الآن، و بعد. 
-فكرة الحياة الأخرى أيضا قد تجعل الاستشهاد من أجل الوطن سهلا، و أحيانا قد تجعل من فكرة الحياة شيئا بخسا تافها على هذه الأرض، فترى من المحارِب الشجاعة و الاستبسال (أو.. من يعلم، ربما يريد فقط الحور العين)

و هنا يأتي السؤال.. هل فكرة الإله الذي يوفر لنا الحياة الأخرى هي مجرد مخرج لأذهاننا العالقة في هذا الواقع؟ أم أننا نتوصل إليها بالفطرة حيث أنها حقيقية؟ أم أنها تعلق بأذهاننا فقط بسبب رواية الأديان لها؟

حتما سمعتم عن المثل الشهير "الحاجة أم الاختراع" و الذي يتم تطبيقه عادةََ على الاختراعات المادية
لكن دعونا نجرب -لمجرد التجربة- أن نطبقه على الأفكار
هل يمكن أن يخترع عقلك "فكرة" لمجرد أنها مريحة؟
و هل يمكنك تصديقها حتى لو لم تكن حقيقية فقط لأنها مُريحة، بل و إقناع الناس بها استنادا على عدم راحتهم فيما يتعلق بالأفكار الأخرى؟
ماذا لو أن هذا ما يحدث حقا بالنسبة لفكرتنا عن العالم الآخر؟
هل حقا نتوهم كيلا نعترف أن هذه الحياة هي الفرصة و الحياة الوحيدة؟ 
لكن، و مع ذلك.. لماذا تبدو هذه الفكرة دونا عن باقي الأفكار مُرضية جدا؟ أهي حقا الإجابة التي يصبو إليها عقلي؟ أهو "اليقين"؟

الله.. أهو فكرة صنعناها نتاج حاجتنا؟ أم أنه حقيقة لا شك بها، و هذا يفسر حاجتنا إليه؟
تريدون رأيي؟
دعكم من رأيي.. ماذا عنكم أنتم؟

--يُتبَع--